تميز العملاق الإسباني ريال مدريد عن سائر أندية أوروبا بإبرام صفقات حيوية “مجانية” دون إنفاقه للكثير من الأموال للصيف الخامس على التوالي بعد أن نجح في التعاقد مع ظهير ليفربول ترينت ألكسندر أرنولد.
السياسة التي اتبعها فلورنتينو بيريز رئيس ريال مدريد أثارت إعجاب العديد من خبراء السوق، حتى وإن طالته بعض الانتقادات من جانب عشاق النادي الذين اعتادوا على إنفاقه بسخاء لضم ألمع النجوم في فترة الغلاكتيكوس.
وتعتقد شبكة BBC البريطانية أن الأندية الإنجليزية لم تتعلم أي شيء من ريال مدريد فيما وصفته بـ “فن الانتقالات المجانية”، وأفردت لذلك تحليلاً مطولاً بعد يومين من غلق الميركاتو الصيفي 2025، للتعليق على الأسباب التي أدت لإنفاق أندية البريمييرليغ مبلغ تجاوز الثلاثة مليارات جنيه إسترليني بين يونيو وبداية سبتمبر الحالي.
قالت بي بي سي في مستهل تقريرها “أفضل ما في الحياة يأتي مجاناً، لكن من الواضح أن أحداً لم يُخبر أندية الدوري الإنجليزي الممتاز العشرين بذلك، بعد أن أنفقوا مبلغاً خيالياً قدره 3.1 مليار جنيه إسترليني هذا الصيف”.
أضافت: “يتمتع البريميرليغ بوضع فريد، فمع تنامي شعبيته وأرباحه، تفوق الأموال الممنوحة للأندية المتنافسة فيه بكثير أموال نظرائها في الدوريات الأوروبية الكبرى، لكن ريال مدريد أثبت مجدداً هذا الصيف أن المال لا يُغني عن شيء”.
ووصفت بي بي سي ريال مدريد بالفريق “الفريد من نوعه”، عندما يتعلق الأمر باستقطاب مواهب عالمية مقابل لا شيء أو بأقل مبلغ ممكن، وهو ما حدث في صفقة انتقال نجم ليفربول ترينت ألكسندر-أرنولد مقابل 10 ملايين يورو (8.4 مليون جنيه إسترليني) في يونيو، وكان المبلغ فقط يستهدف تسريع عملية الانتقال حتى يتمكن النادي من تسجيل اسم اللاعب في الوقت المناسب لإشراكه في كأس العالم للأندية بالولايات المتحدة الأميركية.
ما سر تفوق ريال مدريد؟
كان التعاقد مع ألكسندر أرنولد بصفقة شبه مجانية هو الرابع في آخر خمس سنوات من هذا النوع، ما شُبه من قبل الشبكة البريطانية بفوز ريال مدريد بـ “يانصيب الانتقالات المجانية”.
وضم النادي الملكي النجم النمساوي ديفيد ألابا في عام 2021 بعد انتهاء عقده مع بايرن ميونيخ، وكرر الأمر نفسه مع المدافع الألماني أنطونيو روديغر في عام 2022 بعد انتهاء عقده مع تشيلسي.
وكانت الضربة الأكبر في صيف 2024 حين ضم الفرنسي كيليان مبابي دون مقابل رغم أنه سبق وعرض أكثر من 100 مليون يورو للتوقيع معه من باريس سان جيرمان.
هل اسم ريال مدريد وحده يكفي؟
الشهرة الكبيرة لريال مدريد والنجومية التي يمنحها لأي لاعب يرتدي قميصه، أمور ساعدته على التعاقد مع مواهب كانت ضمن اهتمامات أكبر منافسيه الأوروبيين أصحاب من الميزانيات المرتفعة أمثال بايرن ميونيخ وتشيلسي وباريس سان جيرمان وليفربول.
وقد صرح معلق الدوري الإسباني، فيل كيتروميليديس، لبي بي سي سبورت بأنه عندما يتصل بك بطل إسبانيا 36 مرة، يكاد يكون من المستحيل تجاهله.
قال كيتروميليديس “لا يهم من أين أتيت، ولا يهم من لعبت له سابقاً. ولا يهم فريقك المفضل عندما كنت طفلاً، فهذا هو أعظم شيء ستفعله في مسيرتك المهنية.. أن تلعب مع ريال مدريد”.
أضاف “لنأخذ ترينت مثالاً – كان يلعب لفريق طفولته ليفربول. لم يكن ليفعل هذا مع أي نادٍ آخر سوى ريال مدريد. إنه سحره وعظمته”.
النجوم يساعدون ريال مدريد
ليس من المفاجئ أن يتعاقد ريال مدريد مع هؤلاء اللاعبين مجانًا. المثير للاهتمام هو أن اللاعبين غالبًا ما يدركون أن عملاق الدوري الإسباني ربما لا يستطيع تحمل التكلفة، أو ربما لا يرغب في دفعها، ومع ذلك، يظهرون تحمسهم الكبير للانضمام لدرجة أنهم مستعدون لبذل قصارى جهدهم حتى نهاية العام الأخير من عقودهم الحالية لإتمام الصفقة.
هذا النوع من التعاقدات ليس وليد السنوات الأخيرة. سبق وقام ريال مدريد عام 1988 بالتعاقد مع الدولي الألماني بيرند شوستر برشلونة ليلعب في سانتياغو برنابيو.
أضف إلى القائمة ستيف ماكمانامان ومايكل لاودروب وفرناندو مورينتس، هذه بعض الأسماء الأخرى التي انتقلت مجانًا.
ويواصل كيتروميليدس حديثه مع بي بي سي “في مدريد، المركز الثاني لا يُذكر. النادي لديه رغبة جامحة في الفوز بكل شيء، بكل لقب ممكن. هذه الفلسفة ساعدته على بناء هالة. وهذا ساعد في إقناع لاعبين كبار بعدم تمديد عقودهم مع الأندية الكبرى للعب معه”.
محاولات لتقليد الملكي
شهد يوم الاثنين الماضي، آخر يوم للانتقالات، انضمام لاعبين مثل جيمي فاردي وفيكتور ليندلوف إلى أندية جديدة مجانًا، ولكن يُمكن القول إن أكبر صفقة انتقال حر هذا الصيف في أوروبا شهدت انضمام الهداف التاريخي، الكندي جوناثان ديفيد، إلى صفوف العملاق الإيطالي يوفنتوس قادماً من ليل الفرنسي، وهي كلها محاولات لتقليد سياسة ريال مدريد في “فن الانتقالات المجانية”.
وأوضح وكيل أعمال المهاجم الكندي، نيك مافروماراس، لبي بي سي سبورت أن العديد من الأندية في جميع أنحاء أوروبا كانت تتنافس على توقيع موكله، وقال: “لقد كانت فترة مثيرة، لكنها كانت أيضًا فترة عصيبة. بشكل غير مباشر، تُجري محادثات مع الأندية طوال الوقت. لا توجد عروض، ليس قبل ستة أشهر”.
أضاف: “بعض الأندية اعتبرت مطالبنا المالية مبالغاً فيها للغاية، وخاصةً في الدوري الإنجليزي الممتاز، ولكن في النهاية وجدنا ما أردناه تماماً مع يوفنتوس”.
مشاكل اللاعب الحر
بالطبع، لا يخلو انتقال اللاعب الحر من بعض المشاكل، وهناك الكثير منهم تعرض للجلوس على دكة البدلاء أو الاستبعاد الكامل ومتابعة المباريات من المدرجات، أو المشاركة مع الفريق الثاني، كما حدث في حالة كيليان مبابي أثناء رفضه تجديد عقده مع باريس سان جيرمان في 2023 لتمهيد انضمامه بالمجان للريال في الصيف التالي.
وإذا كان جوناثان دافيد قد ظل يشارك بصفة أساسية مع ليل بعد تأكيده أنه لن يجدد عقده، فهذا لم ينطبق على زميله في الفريق أنجيل غوميز، الذي استُبعد بعد أن أوضح أنه لن يجدد عقده.
تقول “بي بي سي”: “هناك دائماً رئيس ساخط، ربما حلم بما كان يمكن فعله بأي مبلغ انتقال؛ والمدير الفني للفريق الذي قد يفقد خدمات لاعب أساسي، وبالطبع هناك المشجعون، الذين بلا شك انتظروا بفارغ الصبر كل مرحلة من محادثات تجديد العقد”.
ويبدو أن اللاعب هو الرابح الحقيقي في مثل هذا الموقف، ولكن كما قال وكيل أعمال اللاعبين ليام باوز لـ”بي بي سي” فإن الأمر ليس بهذه البساطة أبدًا، مضيفاً: “في اللحظة التي يتخذ فيها اللاعب قرارًا بعدم التجديد، تكون مخاطرة محسوبة، إنه يُخاطر بمسيرته المهنية. وكلما كبرت الموهبة، زادت المخاطرة”.
وختم الوكيل “كل شيء قد يتغير، لنفترض أن النادي الجديد أصبح تحت ملكية أو إدارة جديدة، ربما تُصبح فجأةً خارج خططهم. ربما لا يتأهلون لبطولة ما وتتغير ميزانيتهم. كل هذه العوامل تلعب دورًا”.